فصل: تفسير الآيات (68- 72):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تيسير التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (68- 72):

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (68) وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)}
الصور: بوق ينفخ فيه. صُعق: غشي عليه. يَنظرون: ينتظرون ماذا يفعل بهم. واشرقت الأرض: اضاءت بنور الله وعدله. ووضع الكتاب: وهو صحائف الأعمال. بالحق: بالعدل. وسيق الذين كفروا: حثّوهم على السير. زُمرا: افواجا. حقّت: وجبت.
في هذه الآيات والتي بعدها تصوير حيّ لمشهد يوم القيامة وما فيه من حساب وجزاءه، وهو يبدأ بالنفخ في الصور (وهو بوق لا ندري كيف شكله) فيصعق جميع من في السموات والارض إلا من اراد الله ان يؤخرهم إلى وقت آخر، ثم ينفخ فيه مرة اخرى فاذا الجميع قائمون من قبورهم ينتظرون ما يُفعل بهم.
واشرقت ارض المحشر بنور الله، ووُضع الكتاب الذي سُجلت فيه أعمالهم، وجيء بالانبياء والعدول ليشهدوا على الخلق.
{وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بالحق}
وفصل اللهُ بين الخلق بالعدل، فهم لا يُظلمون بنقص ثوابٍ أو زيادة عقاب. وأعطيت كل نفس جزاء ما عملت جزاء كاملا {وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} دون حاجة إلى كتاب أو حاسب. اما حشرُ الناس ومحاسبتهم ووضع الكتاب فهو لتكميل الحجة عليهم وقطع المعذرة.
ثم بعد أن يحاسَب كل إنسان ويأخذ كتابه بيمينه أو شماله ينقسم الناس فريقين: {فَرِيقٌ فِي الجنة وَفَرِيقٌ فِي السعير} فيساق الذين كفروا إلى جهنم جماعات جماعات، حتى إذا وصلوا إلى جهنم تفتح لهم ابوابها، ويدخلونها مهانين، ويوبخهم خزنة جهنم بقولهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا} فيجيبونهم معترفين ولا يقدروا على الجدل بقولهم: {بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين}. ثم يقال لهم ادخلوا ابواب جهنم خالدين فيها أبداً {فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين} على الحق، والخارجين على العدل.

.قراءات:

قرأ الكوفيون: {فتحت} بتخفيف التاء. والباقون: {فتحت} بالتشديد.

.تفسير الآيات (73- 75):

{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (74) وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (75)}
حافين من حول العرش: محيطين به.
بعد أن بين الله تعالى حالَ أهل النار وكيف يساقون إلى جهنم جماعاتٍ باذلالاٍ وتوبيخ، وان ابواب جهنم لا تفتح لهم الا عند وصولهم اليها لتبقى امية تنتظرهم- يذكر هنا حالَ أهل الجنة وما ينتظرهم من استقبال طيب، وثناء ومدح وترحيب. فهم يساقون إلى الجنة جماعاتٍ، واذا وصلوها وجدوا ابوابها مفتوحة ليستنشقوا روائحها عن بعد. وهناك يرحب بهم الملائكة بقولهم {سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ} فيها ابدا في ضيافة رب العالمين، ونعم الضيافة في ذلك النعيم الخاليد.
وعندما يستقرون فيه مكرّمين معززين يقولون: {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} وحقق لنا ما وعدَنا به على لسان رسله، وملَّكنا الجنة ننزِل منها حيث ما نشاء {فَنِعْمَ أَجْرُ العاملين}.
ويومها يكون الملائكة محيطين بالعرش، ينزّهون اللهَ عن كل نقص، ويكون قد قضى بين العباد، وذهب كلٌّ إلى مأواه، ونطق الكون كله بحمد ربه. {وَقِيلَ الحمد لِلَّهِ رَبِّ العالمين}.

.قراءات:

قرأ أهل الكوفة: {وفُتِحت} بتخفيف التاء. والباقون: {وفُتِّحت} بتشديد التاء.
وهكذا تختم هذه السورة الجليلة بهذا المشهد الذي يغمر النفس بالروعة والرهبة والجلال، وقد بدأ الله سبحانه هذه الآية الأخيرة بالحمد وختمها بالحمد، وبهذا يختم المجلد الثالث ونسأ الله حسن الختام.

.سورة غافر:

.تفسير الآيات (1- 6):

{حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجَادِلُ فِي آَيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ (4) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (5) وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (6)}
التوب والتوبة: معناهما واحد. ذي الطَّول: ذي الفضل. يجادل: يخاصم. تقلُّبهم في البلاد: تصرفهم فيها للتجارة ونحوها. الأحزاب: جميع الذين تحزبوا ضد رسلهم. همّت: عزمت على قتلهم. ليأخذوه: ليقتلوه أو يعذبوه. ليدحضوا: ليبطلوا. حقت: وجبت. كلمة ربك: حكمه بالهلاك.
حاميم هكذا تقرأ. حرفان من حروف الهجاء، بدئت بهما السورة للاشارة إلى ان القرآن مؤلف من جنس هذه الحروف، ومع ذلك عجِز المشركون عن الإتيان بأصغر سورة من مثله.
إن هذا القرآن منزَّل من عند الله الغالب القاهر، وهو الذي يغفر الذنبَ مهما جلّ، ويقبل التوبة من عباده في كل آن، فبابُه مفتوح دائما وابدا، فلا يقنط أحدٌ من ذلك. وهو شديد العقاب، ومع هذا فهو صاحبُ الإنعام والفضل، لا معبودَ بحقٍّ الا هو، إليه وحده المرجع والمآل.
وقد كثر في القرآن الكريم الجمع بين الوصفين كقوله تعالى: {نَبِّئ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغفور الرحيم وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العذاب الأليم} [الحجر: 49-50] ليبقى الناسُ بين الرجاء والخوف، ولكن الرحمة دائماً مقدَّمة على العذاب.
وبعد أن بيّن الله ان القرآن كتابٌ أُنزل لهداية الناس وسعادتهم في الدارَين، بيّن هنا أنه لا يخاصِم في هذا القرآن- بالطعن فيه وتكذيبه- الا الذين كفروا، فلا يخدعك أيها الرسول تقلّبُهم في البلاد وما يفعلونه من تجارة وكسب، ولا تغترَّ بسلامتهم، فإن عاقبتهم الهلاك.
ثم قال مسلّياً رسوله عن تكذيب مَن كذّبه من قومه بأن له أسوةً في الأنبياء مع اقوامهم من قبله بقوله: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ}
الأحزابُ كل من تحزَّب ضد الحق واهله في كل زمان ومكان، وقصة الرسالة والتكذيب والطغيان طويلة طويلة على مدى القرون.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}
ليقتلوه أو يعذّبوه، وخاصموا رسولهم بالباطل ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله.
{وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}
ليقتلوه أو يعذّبوه، وخاصموا رسولهم بالباطل ليبطلوا به الحق الذي جاء به من عند الله.
{فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}
فاستأصلتهم فلم أُبْقِ منهم احدا وكان عقابي لهم شديداً مدمرا.
وكما حقت كلمةُ العذاب على الأمم التي كذّبت أنبياءها- حقّت كلمة ربك على الكافرين، لانهم اصحاب النار. وهذا تحذير شديد لجميع المنحرفين من أهل الضلال.

.قراءات:

قرأ نافع وابن عامر: {حقت كلمات} بالجمع، والباقون: {كلمة} بالافراد.

.تفسير الآيات (7- 10):

{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)}
العرش: المُلْك، وسرير الملك. وهنا معناه مركز تدبير العالم، ولا نعرف صفاته وكيف هو. قِهِم: احفظهم، من الفعل: وقَى يقي. مقْتُ الله: اشدّ غضبه.
ثم بين الله تعالى ان حملة العرش من الملائكة، ومَن حول العرش مِنهم {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} وهم من بين القوى المؤمنة في هذا الوجود، يذكُرون المؤمنين عند ربهم ويستغفرون لهم ضارعين إلى الله تعالى بقولهم: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ}
اغفر لهم ذنوبهم بعد أن تابوا واستقاموا على هداك، وجنّبهم عذاب النار.
ويقول الملائكة: ربنا أدخِل المؤمنين جناتِ الاقامة التي وعدْتهم بها على لسان رسُلك، وأدخل معهم الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذريّاتهم، {إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم}.
ويقولون في دعائهم ايضاً: واحفظْهم يا رب من سوء عاقبة سيّئاتهم التي وقعوا فيها، ومَنْ جنّبتَه سيئاتِه يوم القيامة فقد رَحِمتَه بفضلك، {وَذَلِكَ هُوَ الفوز العظيم} بل هو أكبر فوز يحصل عليه المؤمن مكافأة له على ما قدّم من صالحات الأعمال.
وتنادي الملائكةُ الكافرين يوم القيامة وهم في أشد العذاب فيقولن لهم: إن مَقْتَ الله لكم وغضبه عليكم في الدنيا على كفركم أشدُّ من مقتكم الآن لأنفسِكم، فقد دعاكم سبحانه بواسطة رسُله إلى الإيمان فأبيتم إلا الكفر. وما أوجعَ هذا التأنيبَ في هذا الموقف العصيب!!.

.تفسير الآيات (11- 17):

{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14) رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ (15) يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (16) الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17)}
أمتّنا اثنتين، وأوحييتنا اثنتين: خلقتنا من العدم، ثم أمتّنا بعد انقضاء آجالنا. وأحييتنا اثنتين: عند ميلادنا، ويوم البعث يوم القيامة. يوم التلاق: يوم القيامة؟ بارزون: ظاهرون.
ويقول الكافرون يوم القيامة: يا ربنا أمتّنا موتَتين: الأولى حين خلقْتَنا من العدم، والثانية يوم توفّيتنا عند انقضاء أجلنا. وأحييتنا مرتين: مرة هي حياتنا الدنيا، والثانية يوم بعثِنا هذا فاعترفنا أننا أنكرنا البعث وكفرنا وأذنبنا. ونحن الآن قادمون، فهل من سبيل إلى الخروج من النار، ولك منا عهدَ الطاعة والامتثال؟ فيجيبهم الله: لا.
{ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ}
إنكم ان عدتم إلى الدنيا فلن تؤمنوا، فقد كفرتم بالله، وآمنتم بالشركاء، وهذا العذابُ الذي انتم فيه من حُكم الله عليكم نتيجة لأعمالكم {فالحكم للَّهِ العلي الكبير}.
هو الذي يريكم دلائل قدرته، وينزل لكم من السماء ماءً يكون سببَ رزقكم، لكنه لا يعتبر بتلك الآيات ويستدلّ بها على عظمة الخالقِ الأوحد الا من يُنيب إلى الله ويرجع اليه.
ثم لما ذكر ما وجّههم اليه من الأدلة على وحدانيته- أمر عباده بالدعاء والتوجه اليه: {فادعوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين وَلَوْ كَرِهَ الكافرون}
فادعوا الله مخلصين له العبادةَ ولو كره الكافرون عبادتكم.. ولن يرضوا عنكم ابدا. والدعاء عبادة، وفي الحديث الصحيح: «ادعوا الله تباركَ وتعالى وانتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءَ قلبٍ غافل لاهٍ».
ثم ذكر الله تعالى بعض صفاته بقوله: {رَفِيعُ الدرجات ذُو العرش يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التلاق}.
فهو وحده صاحبُ المقام العالي، وصاحب المُلك والسلطة المطلقة، وهو الذي يلقي الوحيَ على من يشاء من رسُله. وسمّى الوحيَ روحاً لأنه روحٌ وحياة للبشر. وذلك لينذر هؤلاء الرسلُ الناسَ أنهم سيُبعثون يوم التلاقي (وهو يوم القيامة) حيث يتلاقون- في ذلك اليوم يبرزون مكشوفين ظاهرين لا يخفى على الله من أمرهم شيء، ويسمعون نداءً رهيباً: {لِّمَنِ الملك اليوم؟} ويأتي الجواب الحاسم {لِلَّهِ الواحد القهار}. وفي ذلك اليوم يتضاءل المتكبرون، ويقف الوجود كله خاشعاً، والعباد كلهم خاضعين.
في ذلك اليوم الرهيب يُثاب كلُّ عامل بعمله، ويقال بوضوح: {لاَ ظُلْمَ اليوم} فإنه يوم الجزاء الحق، ويوم العدل، والقضاء الفصل، هذا كله يسير بسرعة {إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب}.

.تفسير الآيات (18- 22):

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ (21) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (22)}
يوم الآزفة: يوم القيامة، ومعنى الآزفة: القريبة. الحناجر: جمع حنجرة، الحلقوم. كاظمين: ممسكين، محزونين. حميم: صديق. خائنة الأعين: الأعين التي تزوغ وتنظر بخبث. وما تخفي الصدور: ما تكتمه الضمائر. من واق: من حافظ.
أنذِر أيها الرسول مشركي قومك عذابَ يوم القيامة وهوله، حين تصير القلوب عند الحناجر من شدة الخوف. يومئذ ليس لهم صديق ينفعهم، ولا شفيع تُقبل شفاعته لهم، والله تعالى لا يخفى عليه شيء، يعلم النظرة الخائنة، والسرَّ المستور الذي تخفيه الصدور. وهو تعالى يقضي بالعدل والحق، فلا يظلم احداً ولا ينسى شيئاً، والآلهة المزعومة لا يستطيعون عمل شيء، {إِنَّ الله هُوَ السميع البصير}.
ألم يسافر المشركون في الأرض، فيروا كيف كان مآل الأمم الماضية!! كانوا أشدّ منهم قوة وتركوا آثاراً عظيمة في الأرض، فاستأصلهم الله بذنوبهم.
{وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ}
لم يكن لهم من ينصرهم ويحفظهم من عذاب الله.
وقد تكرر هذا المعنى في أكثر من آية، ولكن بأسلوب مختلف.
ولقد نزل بهم ذلك العذاب لأنهم كذّبوا رسُلهم وجحدوا آيات الله {فَأَخَذَهُمُ الله إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ العقاب}

.قراءات:

قرأ نافع وهشام: {والذين تدعون} بالتاء. والباقون: {يدعون} بالياء.